دكتور محمد على يوسف يكتب .. أوقد صار يعرف بالرجال ؟؟
| Date: 2012-03-05 08:12:36 | |
سنين طويلة مضت منذ اللحظة التى تلقيت
فيها عن أحد مشايخى هذه القاعدة الماسية التى لا تسعفنى الكلمات لوصفها
وصفا يكفيها و يقدرها قدرها
أذكر شعورى فى تلك اللحظة جيدا و قد كنت
قبلها أعانى من تسلل الشيطان إلى نفسى من مدخل إبراز العيوب و الزلات فى
بعض إخوانى و محاولة إيجاد المبررات للتفلت عن المنهج طالما أن بعض أتباعه
قد كشفت لى زلاتهم و ظهرت لى معايبهم
شعور بالارتياح الشديد
شعور
ماتع لا أنساه إلى اليوم و لازلت عند كل موقف يعن إلى و يكشف فيه ستر الله
عن أحد إخوانى أحمد الله جل و علا أن هدانى لهذا المبدأ المريح و تلك
القاعدة العبقرية
إنها القاعدة المنسوبة لسيدنا على بن أبى طالب رضى
الله تعالى عنه فيما رواه عنه ابن مفلح في الآداب الشرعية نقلا عن ابن
الجوزي في كتابه السر المكتوم
قاعدة " الحق لايعرف بالرجال.. وإنما يعرف الرجال بالحق.. فاعرف الحق تعرف اهله "
و القاعدة بكل بساطة معناها أنه لا أحد مهماا كان حجة على المنهج
فأى رجال - ما دون الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم - هم بشر يخطئون و
يصيبون و يعصون و يطيعون و يزلون و يوفقون و هذه الزلات و المعاصى و
الأخطاء هم فقط من سيحاسبون عليها و ليس من كان على منهجهم
المنهج الذى لا يضره أخطاء الأتباع إنما يضره أن ينسب إليه ما ليس منه
حقاهذا هو المعنى الذى تلقيته فى ذلك اليوم
و حينئذ ارتحت حقا
و تعلمت أن أقصد البحر و أن أخلى القنوات
وأن ألزم المنبع و أعرض عما دونه
و اليوم أجد فى نفسى رغبة لأنقل هذا الشعور لإخوانى الذين تهزهم زلات
الأفراد و تزعزع ثقتهم أخطاء الأتباع التى لن تنتهى مادام على ظهر الأرض
خطاء من نسل آدم عليه السلام
و ليعلم كل من هزته زلة أو زعزعته خطيئة مخلوق حى - علمنا سلفنا أنه لن تؤمن عليه الفتنة – أن ما هم فيه إما ضعف أو تربص
نعم أقولها صريحة و أرجو ألا يغضب منى أحدهم
و ما الضعف إن لم يكن ذلك
و ما الضعف إن لم تكن كلمة تذهب به و أخرى تأتى به ؟
رحم الله الإمام أبا حامد الغزالى إذ يقول " وهذه عادة ضعفاء العقول
يعرفون الحق بالرجال لا الرجال بالحق" و قال أيضا "فاعلم أن من عرف الحق
بالرجال حار في متاهات الضلال، فاعرف الحق تعرف أهله إن كنت سالكا طريق
الحق وإن قنعت بالتقليد والنظر إلى ما اشتهر من درجات الفضل بين الناس، فلا
تغفل الصحابة وعلو منصبهم" الاحياء
و الأخطر أن يكون هذا
الاهتزاز عبارة عن تربص أو محاولة لإيجاد مبررات التفلت و النكوص بإقناع
النفس أن هذا هو الأصل و أنه ليس وحده المتفلت و الأمر هين و هذا كما يقال
بالعامية نوع من أنواع " التلصيم "
نعم " تلصيم "
لقد أخبرنا
ربنا أنه " لا تزر وازرة و زر أخرى " و أن " كل نفس بما كسبت رهينة " و
أوصانا فقال " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " و غير ذلك من
الآيات التى لم تدع لأحد هؤلاء المتربصين " المتلصمين " حجة و لم تترك له
فرصة ليبرر لنفسه التفلت بفعل الرجال
و كما نكرر دوما المنهج حجة
علينا و لسنا نحن حجة على المنهج و قد أبى الله أن تكون عصمة إلا لكتابه و
أنبيائه و لم يعطها لأحد غيرهم
أقول هذه الكلمات و أنا حزين لاضطرارنا
تكرار هذا الأمر كلما حدثت مشكلة أو كشف ستر أحد أبناء آدم الخطائين فقامت
الدنيا و لم تقعد و بدأت النبرة الحزينة المرتعشة لدى من ينتسبون لمنهج
المخطىء بالتوازى مهع نبرة الشماتة و التشفى ممن ينتسبون للمناهج الأخرى
و الأمر بسيط و واضح و القاعدة واضحة و تقطع الطريق بيسر على كل ذلك اللغط
الحق لايعرف بالرجال.. وإنما يعرف الرجال بالحق.. فاعرف الحق تعرف اهله
أقول هذه الكلمات ليس تهوينا من شأن الأخطاء أو تبريرا للمخطئين و لكن
تبرأة للمنهج الذى لا يعرف إلا برجال زكاهم الله و أثنى عليهم و أنعم عليهم
" مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ
وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً"
أما نحن !!
الأحياء الخطاءون من بنى آدم فلم و لن نكون أبدا حجة على الحق و من كان أفضل منا ما يوما رأوا فى أنفسهم ذلك
فها هو الإمام مالك – رحمه الله تعالى يقول -: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب
فانظروا فى رأيى فإن وافق الكتاب والسنة فخذوا به وكل ما لم يوافق الكتاب
والسنة فاتركوه"
وهذا هو الإمام الشافعى – رحمه الله – يقول: " ما من
أحدٍ إلا وتذهب عليه سنة للنبى أو تعزب عنه فمهما قلت من قول أو أصّلت من
أصل فيه عن رسول الله خلاف ما قلت فالقول قول رسول الله وهو قولى وجعل يردد
هذا الكلام "
و غير ذلك مما نقل عن أولئك الأخيار الذين لم يروا أنفسهم حجة على المنهج أو علامات عليه فمن نحن لنرى أنفسنا كذلك
لكن مع كل ذلك يبقى الخطأ خطأ و تبقى المحاسبة واجبة و المسئولية قائمة و
خصوصا أنه سيظل من الناس من لا يفهم هذه القاعدة فتنفره أخطاؤنا عن الدين
نفسه و إلا ما قال النبى صلى الله عليه و سلم لبعض أصحابه " إن منكم
لمنفرين " و لما أصر أن يبرىء ساحته – رغم أنه لم يتهم – حينما مر الصحابة
فوجدوه يكلم امرأة فسارع فى إثرهم قائلا " إنها صفية " و فسر ذلك بقوله "
إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم "
و لما أصر سيدنا يوسف عليه
السلام على تبرأة ساحته قبل الخروج من السجن بقوله " ما بال النسوة
اللاتى قطعن أيديهن إن ربى بكيدهن عليم "
كل ذلك و غيره يجعلنا أمام مسئولية لا تنفيها القاعدة العظيمة التى صدرت بها مقالى لكنها تتعاضد معها لتشكل التكامل المطلوب منا
فما بين ثقة فى المنهج و عدم تأثر بزلات الأتباع و بين الحرص على عدم فتنة
الناس و تحمل المسئولية الكاملة عن مظهر و سمعة الدعوة ينبغى أن يكون هذا
حالنا و لسانه يردد " ربنا لا تجعلنا فتنة "
بقلم
دكتور محمد على يوسف